Menu

لقاء الأمناء العامين للفصائل: في ضوء المباراة القائمة بين السلطة الفلسطينية وكيان العدو في اعتقال رجال المقاومة

عليان عليان

دخلت أجهزة أمن السلطة الفلسطينية في سباق مع الشاباك الإسرائيلي، حول من يعتقل أكثر من كوادر المقاومة الفلسطينية، خاصةً بعد الانتصار التاريخي للمقاومة في "معركة بأس جنين"، ولا نبالغ إذ نقول: أن حجم المعتقلين من حركة الجهاد الإسلامي وغيرها من فصائل المقاومة في عموم محافظات الضفة الغربية، يفوق بكثير عدد المعتقلين من قبل جهاز المخابرات الصهيونية "الشاباك".

وبيان وزارة الداخلية (الفلسطينية) يؤكد في مضمونه أن أجهزة أمن السلطة تعمل جاهدةً على تحقيق ما عجزت قوات الاحتلال عن تحقيقه في جنين، وفي بقية محافظات الضفة الغربية، وأن السلطة الفلسطينية تريد أن تثأر للكيان الصهيوني بعد هزيمته الأخيرة في جنين. فوزارة الداخلية في السلطة الفلسطينية توعدت مساء الاثنين الماضي، بفرض "النظام والقانون" في جنين شمال الضفة الغربية، وسط قيام أجهزتها الأمنية المختصة باعتقالات أبطال المقاومة الفلسطينية من حركة الجهاد الاسلامي وحماس و أبو علي مصطفى وبقية فصائل المقاومة مختلف، مؤكدةً في بيان نشرته وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية (وفا) على "العمل المتواصل على تطبيق سيادة القانون وتوفير الأمن والأمان لأبناء شعبنا في جميع أماكن تواجده". وهي بهذه الخطوة تنفذ حرفياً تفاهمات شرم الشيخ والعقبة لذبح المقاومة، تنفيذا للتعليمات والإملاءات الصهيو أميركية، غير آبهة بنداءات فصائل المقاومة وتحذيراتها، من مغبة وأخطار هذا النهج المدمر للنسيج الاجتماعي الفلسطيني، وللأهداف الوطنية لنضالات شعبنا على مدى عشرات العقود من النضال.

لقد أصابت حركة الجهاد الإسلامي، بإشعالها مظاهرات في عموم محافظات الضفة الغربية احتجاجاً على اعتقال أجهزة أمن السلطة لكوادرها ومقاتليها، ولرجال المقاومة وكوادرها من مختلف الفصائل، وإن كان خطابها حتى الآن وخطاب بقية الفصائل، لا يزال مثالياً في التعامل مع السلطة، من خلال دعوتها للسلطة بالتوقف عن التنسيق الأمني ووقف ملاحقة رجال المقاومة واعتقالهم.

والسلطة إذ تقوم بهذا الدور المشين، إنما تؤكد على الدور المرسوم لها في اتفاقيات أوسلو وواي ريفر وخطة خارطة الطريق وأنا بوليس، بوصفها وكيل أمني للاحتلال، ذلك الدور الذي أكده نتنياهو مجدداً لها عشية معركة جنين الأخيرة.

وحرصاً من حكومة الاحتلال الفاشية، على سلطة الحكم الذاتي المحدود، أقدمت هذه الحكومة على توفير تسهيلات عديدة لها، حتى تقوم بالدور المطلوب منها في خدمة الاحتلال من خلال اعتقال المقاومين، وتجريد الضفة من سلاح المقاومة، ومن خلال التنسيق الأمني، الذي سبق وأن وصفه رئيس السلطة بأنه "مقدس"، وبهذا الصدد أعلنت سلطات الاحتلال الصهيوني، في التاسع من شهر يوليو (تموز) الجاري، أنها تنوي منع انهيار السلطة الفلسطينية، مقابل تنازلات سياسية وحوافز مالية، مشيرةً إلى أن المجلس الوزراء المصغر "الكابينيت" تبنى قرارًا يقضي بما يلي:

-منع انهيار السلطة بشروط تضمن تبعيتها شبه الكاملة للاحتلال، وقد شملت هذه القرارات تنفيذ "خطة مالية لإنقاذ السلطة تشمل ضمان قروض، وتسوية ديون، وخصم على سعر الوقود ومدفوعات ضرائب مسبقة"، في إشارة لأموال المقاصة الفلسطينية.

-إعادة تصاريح كبار الشخصيات (Vip) لكبار المسؤولين في السلطة.

- إنشاء منطقة صناعية جديدة في ترقوميا بالقرب من الخليل جنوبي الضفة الغربية، وهو اقتراح قديم طرح بالفعل في عام 2020، من قبل ما يسمى وزير الاقتصاد الصهيوني آنذاك، إيلي كوهين.

واللافت للنظر، أنه في الوقت الذي تقوم به قيادة السلطة وأجهزتها الأمنية بدورها غير الوطني في خدمة الاحتلال، تصر فصائل المقاومة واليسارية منها، على تلبية دعوة رئيس السلطة لحضور اجتماع الأمناء العامين في القاهرة، في نهاية شهر تموز ( يوليو) الجاري، وهي بموافقتها على تلبية دعوة رئيس السلطة، تذهب وهي راضية بأن تلدغ من جحر السلطة ورئيسها مرات ومرات، غير آبهة بحقيقة أن رئيس السلطة لم يلتزم بأي من التعهدات التي سبق وأن قطعها سابقاً على نفسه في "كونفرنس بيروت – رام الله" عام 2020 بوقف العمل بالتنسيق الأمني، ووقف التعامل مع الكيان الصهيوني وسحب الاعتراف به، والتراجع عن اتفاقيات أوسلو ومشتقاتها، وسبق أن قطعها على نفسه في اجتياحات الاحتلال المتكررة لمدينة جنين ومخيمها، وسبق كذلك أن تنكر لقرارات المجلسين الوطني والمركزي بهذا الخصوص.

والمسألة هنا ليست مسألة عتاب لقيادة السلطة، باستخدام عبارة "يا عيب الشوم" التي يجري استخدامها في دوواين العشائر، وفي العلاقات العائلية عندما يخرج أحد أفراد العائلة عن ثوابت وقيم العائلة وعن قيم المجتمع المحترمة، وخطاب التنديد والعتاب المثالي هذا، لا يجوز استخدامه في النضال الوطني والثوري المؤسسي، الذي قدم شعبنا خلاله من أجل تحقيق أهدافه الوطنية في التحرير والعودة، عشرات الآلاف من الشهداء والأسرى والجرحى.

فالخطاب المثالي التوسلي لقيادة السلطة لن يجدي نفعاً، ولا يستند إلى قراءة علمية لبنية السلطة الطبقية والدور الموكل لها منذ تأسيسها عام 1993، ففصائل المقاومة الوطنية واليسارية والإسلامية، سبق وأن دبلجت آلاف البيانات والتصريحات منذ بداية القرن الجاري نددت فيها بالتنسيق الأمني، وطالبت قيادة السلطة بالتراجع عنه، ونددت مؤخراً ببيانات وتصريحات عديدة بتفاهمات العقبة وشرم الشيخ، التي تستهدف دعم السلطة لاجتثاث المقاومة المسلحة، في محافظات الوطن وخاصةً في جنين ونابلس وبقية المحافظات، لكن حملات التنديد والمناشدات لقيادة السلطة، لم ولن تثمر عن شيء، لأن قيادة السلطة منسجمة مع دورها في أن تكون وكيل أمني للاحتلال.

ووفق هذا الدور، فإن السلطة ملتزمة بالكشف عن منفذي العمليات الفدائية، وملتزمة بإفشال العمليات الفدائية قبل وقوعها، وفي الذاكرة تصريحات مدير مخابرات السلطة عام 2015 إبان هبة الدهس والسكاكين، الذي تباهى فيها بإفشال عشرات العمليات الفدائية في مختلف أرجاء الضفة الغربية، وملتزمة بأن يختفي رجال أمن السلطة من الشوارع حال دخول قوات الاحتلال لأي مدينة أو بلدة أو مخيم فلسطيني، ووفق هذا الدور ملتزمة بغرفة عمليات مشتركة بقيادة مسؤول أمريكي.

لقد مارست أجهزة أمن السلطة هذا الدور بشكل فاقع، إبان المعركة التاريخية الأخيرة في جنين، عندما اختفت قوات الأمن في المقاطعة، لحظة دخول قوات الاحتلال مدينة جنين ومخيمها، وقامت بنصب الكمائن على الطرقات في محيط المدينة، لاعتقال رجال المقاومة، ولمنع وصول النجدات من مختلف المدن والقرى إلى مخيم جنين، وهي بهذا الدور قدمت خدمة كبيرة للاحتلال وفق الدور المرسوم لها، ولم يغير من واقع هذا الدور زعم رئيس السلطة بأنه علق التنسيق الأمني مع ( إسرائيل)، فمن يوقف التسبيق الأمني لا يقوم بحملة اعتقالات لرجال المقاومة، التي تشكل جوهر التنسيق الأمني.

وإذا كان من عتاب ونقد سلبي، فإنه موجه لفصائل المقاومة، التي تسترشد بالمنهج المادي الجدلي، التي سبق وأن قدمت قراءة طبقية لبنية قيادة السلطة ونهجها وفسادها، وفق اتفاقيات أوسلو، مفادها أن هنالك كومبرادور فلسطيني نشأ وترعرع فيها، مرتبط مصلحياً بالكيان الصهيوني، وأن هنالك نهج " متأسرل" في إطار السلطة، وأن قيادة السلطة حولت القضية الفلسطينية إلى قضية أمنية إسرائيلية.. الخ، ورغم ذلك لا تزال هذه الفصائل تراهن على قيادة السلطة وحزبها الرئيسي، متجاهلة حقائق الأمر الواقع على الأرض، ومن ثم فإنها بتجاهلها لهذه الحقائق، إنما تتخلى عن أيديولوجيتها وعن قراءاتها السابقة لبنية السلطة ودورها، خشية من دفع الاستحقاقات المترتبة، على ممارسة الدور المطلوب منها، وتتماهى هنا مع بقية الفصائل ذات الخطاب المثالي، الذي يجعل النضال الفلسطيني يدور في حلقة مفرغة دون تحقيق أي من الأهداف الوطنية.

صحيح أن قانون "التحالف والصراع"، قانون أساسي في مرحلة التحرر الوطني يجري فيه تغليب التحالف على الصراع، لكن هذا القانون لا يمكن تطبيقه في الوضع الراهن في ضوء تبعية السلطة الفلسطينية للكيان الصهيوني وارتهانها له وفق اتفاقيات أوسلو، وفي ضوء نهج التنسيق الأمني، وفي ضوء معاداة قيادة السلطة لشروط وضوابط التحرر الوطني ،ممثلة بالمقاومة بكل أشكالها وبإدامة الصراع مع العدو الصهيوني، وبتحقيق الوحدة الوطنية على أرضية برنامج المقاومة.

وأخيراً لا بد من إعلاء الصوت، بضرورة عدم الالتزام بلقاء الأمناء العامين الذي دعا إليه رئيس السلطة، وأن تتوقف الفصائل الوطنية والإسلامية، عن الرهان على قيادة السلطة بالعودة إلى جادة العمل الوطني، بعد أن لدغت من جحر قيادة السلطة الفلسطينية مرات ومرات، وأن تستفيد من تجاربها السابقة مع قيادة السلطة، وأن تعمل على وضع استراتيجية وطنية لإدامة وتفعيل المقاومة وحمايتها من التنسيق الأمني، بالتنسيق والتفاعل مع محور المقاومة، وأن تتوقف عن المراهنة على قيادة السلطة بإعادة بناء منظمة التحرير من بوابتها، فقيادة السلطة لن تقدم على هذه الخطوة، إلا إذا ضمنت أن انتخابات المجلسين الوطني والتشريعي تصب في مصلحتها ومصلحة نهجها.

نعم على فصائل العمل الوطني أن تتعظ من تجربتها، مع رئيس السلطة وانقلابه على تفاهمات القاهرة حين قام في نيسان (أبريل) 2021، بإلغاء الانتخابات التي كان مقرر إجرائها في مايو (أيار) 2021 من جانب واحد، دون الرجوع لبقية الفصائل، بذريعة عدم سماح حكومة الكيان الصهيوني بإجرائها في القدس ، في حين أن السبب الحقيقي لإلغائها يكمن في توصل قيادة السلطة إلى قناعة، بأن نتيجة الانتخابات لن تكون في مصلحتها، خاصةً بعد تشكيل القائد الأسير "مروان البرغوثي" قائمة مشتركة مع عضو القائد الفتحاوي المفصول "ناصر القدوة".